محبة الله ومحبة المال فى المسيحية

محبة الله ومحبة المال فى المسيحية

إن محبة الله أهم من محبة المال. يجب علينا أن نحب الله أكثر من المال فإذا ما كنا نخدم الله فقد تعهد الله بأن يعتنى بنا ويكفلنا، ولذلك وجب علينا ألا نهتم بما نأكل ولا بما نشرب ولا بما نلبس، وكيف نهتم بها ونضطرب لها ونحن عبيده الذين وعدهم أن يعطيهم تلك الاشياء التى يحتاجونها فى الحياة، وأن يزيدها لهم.

محبة الله ومحبة المال
محبة الله ومحبة المال

يمكن مشاهدة مقدمة الموضوع من هنا ملكوت السموات وقوانينه

"لا تكنزوا لكم كنوزا على الارض حيث يفسد السوس والصدا وحيث ينقب السارقون ويسرقون. بل اكنزوا لكم كنوزا في السماء حيث لا يفسد سوس ولا صدأ وحيث لا ينقب سارقون ولا يسرقون لأنه حيث يكون كنزك هناك يكون قلبك ايضا. سراج الجسد هو العين فان كانت عينك بسيطة فجسدك كله يكون نيرا وإن كانت عينك شريرة فجسدك كله يكون مظلما فان كان النور الذي فيك ظلاما فالظلام كم يكون! 

لا يقدر أحد أن يخدم سيدين لانه اما ان يبغض الواحد ويحب الاخر او يلازم الواحد ويحتقر الآخر. لا تقدرون أن تخدموا الله والمال. لذلك اقول لكم: لا تهتموا لحياتكم بما تاكلون وبما تشربون ولا لاجسادكم بما تلبسون. اليست الحياة افضل من الطعام والجسد افضل من اللباس؟ انظروا الى طيور السماء: انها لا تزرع ولا تحصد ولا تجمع الى مخازن وابوكم السماوي يقوتها. الستم انتم بالحري افضل منها؟ ومن منكم اذا اهتم يقدر ان يزيد على قامته ذراعا واحدة؟ ولماذا تهتمون باللباس؟ تاملوا زنابق الحقل كيف تنمو! لا تتعب ولا تغزل. ولكن اقول لكم انه ولا سليمان في كل مجده كان يلبس كواحدة منها. فان كان عشب الحقل الذي يوجد اليوم ويطرح غدا في التنور يلبسه الله هكذا افليس بالحري جدا يلبسكم انتم يا قليلي الايمان؟ فلا تهتموا قائلين: ماذا ناكل او ماذا نشرب او ماذا نلبس؟ فإن هذه كلها تطلبها الامم. لان اباكم السماوي يعلم انكم تحتاجون الى هذه كلها. لكن اطلبوا اولا ملكوت الله وبره وهذه كلها تزاد لكم. فلا تهتموا للغد لان الغد يهتم بما لنفسه. يكفي ايوم شره." (مت6: 19-34)

بيت القصيد فى هذه القانون يقع فى العدد الرابع والعشرين حيث يقول "لا يقدر أحد أن يخدم سيدين .... لا تقدرون أن تخدموا الله والمال".


فى عالمنا هذا ثلاثة أصناف من البشر:


النوع الأول يحب المال

حب المال
حب المال

فهناك من يحيون لخدمة المال وكل ما يتصل به،وما يتصل بالمال كثير عديد: الوظيفة، والجاه، والسلطان، والمقتنيات، والعقارات، والخدم، والعربات، والكماليات، كل هذه تدخل فى نطاق المال إذ هو يستطيع أن يؤدي إليها كلها.

وهناك آلاف الآلاف من البشر اليوم ممن يعبدون هذا الصنم، أى المال، فهو الهم الذي يضحون من أجله كل مرتخص وغال، فلا يترددون عن أن يقدموا مواهبهم، و صحتهم، وقوتهم، بل قل شرفهم، واصدقائهم، قربانا على مذبحه، ولا يتوانون لحظة عن تضحية كل شئ سواه في سبيل الحصول على الغنى وعلى كل ما يقدمه إليهم من أمور هذه الحياة الخادعة، التى تسيطر على حياتهم، وتملك عليهم أخلاقهم ومشاعرهم ويعبدونها من دون الله.

وإن كان جل هؤلاء القوم يعيشون خارج نطاق كنائسنا، إلا أن هناك مع الأسف، كثيرا من أعضاء كنيستنا ممن انخرطوا في سلك العضوية لا لغرض إلا لعبادة المادة، فليس من شك أن الناس ينظرون بعين التبجيل والاحترام لكل من يندمج في أوساط العبادة، ولذلك يعتقد البعض انهم اذا كانوا يريدون أن يحتلوا مقاما محترما في الهيئة الاجتماعية فعليهم أن يفعلوا ذلك، وهكذا نرى أن جماعات كثيرة من البشر يعبدون المادة والعالم على الاسلوب.


النوع الثانى يحب الله

حب الله
حب الله

اما القسم الثانى من الناس فهم اولئك الذين يخدمون الله حقا. فيطلبون اولا ملكوت الله وبره، وجل غرضهم أن يرضوه فى كل شئ، ومشتهى قلوبهم في الحياة أن ينفذوا إرادة الله على الارض. كما هى فى السماء. وشكرا لله أن هناك من هذا النوع، رجالا وسيدات التصقوا بالرب فصاروا مشابهين صورة يسوع المسيح. ليت الرب يساعدنا حتى نكون من زمرة أولئك الذين يعبدون السيد رب الجنود.

وليس معنى ذلك أنه يجب علينا ان نترك اعمالنا ونكف عن الكسب، لا بل علينا أن نخدم الرب فى هذه جميعها نهتم بتتميم إرادته فى كل لحظة من لحظات حياتنا، ففي استطاعتنا أن نخدمه فى بيوتنا، وأعمالنا، وفى الطرقات أيضا. نعم نستطيع ان نخدم الرب طيلة يومنا، فإذا رغبنا في أن نسلك فى خطوات معلمنا وسيدنا يسوع المسيح، وأن نحتزي خطواته، فعلينا أن نعمل إرادة ابانا الذى فى السموات، لا إرادتنا نحن.

وإذا نحن خدمنا الرب على هذا الغرار، عايشين فى هذه الدنيا لا حل غيرنا، وليس لأجل انفسنا، كنا حافظين بحق ذلك القول المأثور "لا تكنزوا لكم كنوزا على الارض ... بل اكنزوا لكم كنوزا فى السماء" (مت6: 19-20).

ولقد رأينا في أثناء دراستنا القانون الرابع من سألك فأعطه يمكن الرجوع للموضوع من خلال هذا الرابط، من سألك فأعطه أن ذلك لا يعني تحريم الكنوز الأرضية التي قد تكون فى حيازتنا، إنما المقصود، أن نعتبر كل ما ملكت أيدينا من حطام هذه الدنيا ملكا لله، وليس لنا، وما نحن الا وكلاء الله عليه. نتصرف فيه حسب إرشاده. فلا نتأخر عن سد حاجات الآخرين وحاجتنا منه كما يقودنا ويرشدنا. ولو سلك كل أولاد الله هذا المسلك لما احتاج عمل الرب فى هذه البلاد أو فى غيرها الى مال.

ولا يغرب عن بالنا إننا ان فعلنا ذلك، نكون قد كنزنا لأنفسنا كنوزا فى السماء، ولكنني اخشى اننا كثيرا ما ننسى، او نتناسى، ان مكافأتنا فى الحياة الآتية تتوقف على نوع الحياة المسيحية التي عشناها على هذه الأرض. قال الرسول "لينال كل واحد ما كان بالجسد بحسب ما صنع خيرا كان أو شرا" (2كو5: 10)، فمع أن الخلاص هبة مجانية الا ان كنوز السماء مكافآت لمن يخدم الرب خدمة أمينة صادقة فى هذه الحياة.

ثم اننا اذا خدمنا الله وحده، حصلنا على نتيجة مباركة أخرى ورد ذكرها فى عدد 22 من الاصحاح حيث يقول "فإذا كانت عينك بسيطة فجسدك كله يكون نيرا"، أعنى أن حياتنا كلها تصبح مملوءة قوة ونورا يشهدان أمام الناس بعظمة الله ومجده.

وإذا نحن خدمنا الله وحده نتج عن ذلك أمر ثالث لا يجب أن نغفله، ذلك أن حياتنا ستصبح خالية من الهم، لأننا إذا ما رغبنا في ان نعمل ارادة الله على الأرض وكان ذلك غرضنا الأوحد خلت حياتنا من الاهتمام بحاجاتنا الزمنية، كيف لا والله يعتنى بنا كما نعتنى نحن بالآخرين، وهكذا تتبدد سحب الهم الكثيفة وتنقشع ظلمتها الحالكة، و يملأ نفوسنا إيمان بالله كإيمان الاطفال فى بساطته ومتانته، وليس ذلك فقط بل إن ذلك الايمان يضحى أمرا طبيعيا لازما لنا لزوم الروح للجسد.

ولقد أمرنا الله هنا ثلاث مرات أن لا نهتم بشيء فقال "ذلك اقول لكم: لا تهتموا لحياتكم بما تاكلون وبما تشربون ولا لاجسادكم بما تلبسون. اليست الحياة افضل من الطعام والجسد افضل من اللباس؟ انظروا الى طيور السماء: انها لا تزرع ولا تحصد ولا تجمع الى مخازن وابوكم السماوي يقوتها. الستم انتم بالحري افضل منها؟ ومن منكم اذا اهتم يقدر ان يزيد على قامته ذراعا واحدة؟ ولماذا تهتمون باللباس؟ تاملوا زنابق الحقل كيف تنمو! لا تتعب ولا تغزل. ولكن أقول لكم إنه ولا سليمان في كل مجده كان يلبس كواحدة منها. فإن كان عشب الحقل الذي يوجد اليوم ويطرح غدا في التنور يلبسه الله هكذا افليس بالحري جدا يلبسكم انتم يا قليلي الإيمان؟ فلا تهتموا قائلين: ماذا ناكل او ماذا نشرب او ماذا نلبس؟ فان هذه كلها تطلبها الامم. لان اباكم السماوي يعلم انكم تحتاجون الى هذه كلها. لكن اطلبوا اولا ملكوت الله وبره وهذه كلها تزاد لكم. فلا تهتموا للغد لان الغد يهتم بما لنفسه. يكفي اليوم شره." ((مت6: 25-34).

ولقد تأيد هذا القانون فى (فيلبى6:4) حيث يقول "لا تهتموا بشئ". ولقد سمعت بعض الناس يرددون هذه الآية خطأ فيقولون "لا تهتموا كثيرا بشئ"، كلا أيها الحبيب ليس هذا منطوق الآية، إذ لو كان كذلك لصار من الجائز أن أهتم بعض الاهتمام.

إن الآية صريحة وهي تقول "لا تهتموا بشئ" وقد أمرنا الله أبناءه بها أن لا يهتموا بشيء صغيرا كان أم كبيرا.

أتذكرون كيف وبخ الرب مرثا إذ رآها "مرتبكة في خدمة كثيرة" كما يرتبك الكثيرون منا وقال لها لائما "مرثا مرثا أنت تهتمين وتضطربين لأجل أمور كثيرة". ولا ننسى أيها الأحباء أن الاهتمام خطيئة، ولست أدري ان كنا قد نظرنا اليه كخطيئة أو لا، ولست أدرى كذلك ان كنا فى صلاتنا فى نهاية اليوم نعترف إلى الله قائلين "أعترف إليك يارب انى كنت مهتما مضطربا من جهة أعمالى وأولادى أموري المادية المستقبلية". هل تنظر الى الهم كخطيئة أو لا؟ أعلموا أيها الاحباء انكم لستم تستطيعون أن تتخلصوا من الهم إذا اعترفتم انه خطية، وخطية حقا. كيف لا وهو عدم ايمان؟

فلو كنان ؤمن بالله، ومحبته الفائقة، وقوته القادرة، وحكمته العالية، ومواعيده الصادقة، لو كنا نؤمن بهذه كلها لصار مستحيلا علينا أن نهتم بشئ أو نضطرب لأمر، فالهم منشؤه عدم الايمان، واذا ما كانت هناك مفاضلة بين خطية وخطية فعدم الإيمان يربو على كل خطية، إذ هو أكبر إهانة نوجهها الى الله. هب أنك تحادث شخصا ثم أراد أن يسبك أكبر مسبة، فيكفيه لذلك أن يقول لك فما لفم أنه لا يصدق ما تقول.

ذلك هو الأثر بعينه الذي يحدثه عدم الإيمان فى الله فكأننا به نقول لله اننا لا نصدقه ولا نثق بمواعيده ولا نؤمن بمحبته، وكم من المسيحيين يرتكبون هذه الخطية، خطية عدم الإيمان.

النوع الثالث يحب الله والمال معا

حب الله والمال معا
حب الله والمال معا

والآن ننتقل بك أيها القارئ الحبيب الى القسم الثالث من الناس أعني أولئك الذين يحاولون أن يخدموا الله والمال، ومن هؤلاء ألوف ممكن يؤمون الكنائس أيام الآحاد، و يقرأون الكتاب المقدس بين آونة وأخرى ويصلون، ثم بعد أن يفرغوا من هذه ينصرفون إلى عبادة المادة. ألم تسمع عن "صداع يوم الاحد"، ذلك المرض الخبيث الذي يمنع الناس من الذهاب الى الكنائس يوم الأحد ويحول بينهم وبين تدريس صفوف الأحد، ثم هو لا يمنعهم عن تأدية أعمالهم بقية الأسبوع؟.. 

مساكين أولئك القوم... انهم يحاولون ان يعطوا الله مكانا فى حياتهم، ولكنهم يحاولون عبثا، فهم كالسامريين في قديم الزمان يخافون الله ولكنهم مع ذلك يعبدون آلهتهم (مل33:17). وهيهات أن يخدموا الله على هذه الحال. أن غرضهم الأول فى الحياة ان ينالوا قسطا وافرا من الغنى، وأن يصلوا إلى مركز اجتماعى رفيع، فهم لذلك يخدمون المادة من دون الله، وترى متى كان الله راضيا أن يأخذ مكانا ثانيا؟ انه لا يرضى بذلك ولن يرضى، فإذا كنا نريد أن نعبد الله فلنجعله أولا فى كل شئ. "لا تقدرون أن تخدموا الله والمال".

ترى من أى قسم نحن؟ هل فينا من ينتمى لهذا القسم الأخير؟ اسأل نفسك قائلا "ما هو غرضي في الحياة؟ وما هي بغيتي منها؟" وليت الله يمنح كل واحد منا نعمة خاصة حتى إذا ما رأى أن حياته مزيج من الغرضين، اعنى خدمة الله وخدمة المال، فليترك عبادة المال توا، وليحي من الان عاملا ما يرضى الله حتى يكون جسده كله نيرا وتصبح له ثقة بالله بمواعيده الثمينة، ثقة كثقة الأطفال في بساطتها ومتانتها، فإذا ما كانت له تلك الثقة أصبح لا يهتم بشيء ولا يضطرب لأمر.

أرأيت كيف يدور الجدل فى هذا الموضوع الخطير.. لقد قال المسيح "لا تقدرون أن تخدموا الله والمال لذلك اقول لكم لا تهتموا". فإذا ما كنا نخدم الله فقد تعهد الله بأن يعتنى بنا ويكفلنا، ولذلك وجب علينا الا نهتم بما نأكل ولا بما نشرب ولا بما نلبس، وكيف نهتم بها ونضطرب لها ونحن عبيده الذين وعدهم أن يعطيهم تلك الأشياء التى يحتاجونها فى الحياة، وأن يزيدها لهم.

لقد كان القانون الرومانى القديم يحتم على السيد أن يقوم لعبيده بكل ما يحتاجونه من مأكل أو ملبس أو مسكن، وكان السيد مسؤولا عن كل ما يتصل براحتهم فكم بالحرى يعتنى الله بنا نحن خدامه..


"لذلك أقول لكم لا تهتموا"


اسأل الله ان يساعدنا على حفظ هذا الأمر. واني اناشد كل من عاش منا الى الان خادما غرضا مزدوجا، اعنى الله والمال، أن يقطع كل صلة تربطه بعبادة المادة، وأن يعمل ذلك الآن ويسلم نفسه تسليما كليا ليسوع المسيح الذى هو الرب والسيد.

"لا تقدرون أن تخدموا الله والمال".

0/Post a Comment/Comments