الانتقام فى المسيحية

الانتقام فى المسيحية

الأنتقام فى المسيحية
الأنتقام فى المسيحية

القانون الرابع لملكوت السموات فى الانتقام

«سمعتم انه قيل: عين بعين وسن بسن. واما انا فاقول لكم: لا تقاوموا الشر بل من لطمك على خدك الايمن فحول له الاخر ايضا. ومن اراد ان يخاصمك وياخذ ثوبك فاترك له الرداء ايضا. ومن سخرك ميلا واحدا فاذهب معه اثنين. من سالك فاعطه ومن اراد ان يقترض منك فلا ترده. (مت5: 38-42)

يمكن مشاهدة مقدمة الموضوع من هنا ملكوت السموات وقوانينه

يحسن بنا، لكى نستوعب هذه القانون السماوى، ان نقسمه قسمين:

1- سلبي (مت5: 38-41)

2- ايجابى (مت42:5)


القسم الأول - المظهر السلبى


ورد ذكر هذا القانون فى قول الكتاب "لا تقاوموا الشر"، فما هو المقصود من هذا القول؟ ربما سهل علينا فهم المقصود منه لو تأملناه قليلا من الناحية الأخرى، أعنى مما هو غير مقصود منه.

فليس المراد بذلك أن نسرح جنودنا، ونستغنى عن رجال الحرب، والقضاة، ورجال الشرطة، والسجون، وما أعظم البركة التى نتمتع بها لو اننا استطعنا ذلك! على ان العالم لم يتأهل بعد لتلك الخطوة المباركة، كما قال اسقف درهام انه اذا أرادت أمة ان تدين بهذا القانون فلا يمضى عليها وقت طويل حتى تنحل وينهار كيانمها، وفى اعتقادى انه كان صادقا فيما قاله، لان الامم الآن لا تدخل تحت لواء ملكوت الله كأمم، ولذلك فان قوانين الملكوت التى نحن الآن بصددها لا تنطبق عليها، ولكن شكرا لله انه سيأتى وقت تصبح فيه كل ممالك الارض لمخلصنا الرب يسوع المسيح، وك تشتاق نفوسنا، وتتوق قلوبنا ان يعجل الله ذلك اليوم السعيد الذى تتحقق فيه نبوة اشعياء النبى القائلة "فيقضى بين الامم وينصف لشعوب كثيرين فيطبعون سيوفهم سككا ورماحهم مناجل. لا ترفع أمة على أمة سيفا ولا يتعلمون الحرب فيما بعد" (اش4:2)

ومع ان هذه الكلمات التى أوصى بها الله لا تنطبق الآن على الامم من حيث هى أمم، إلا انها تنطبق على الافراد الذين ينضوون تحت راية ملكوت الله، الذين عليهم ان يقاوموا "الشر" الذى يوجه اليهم، أى الاهانات الشخصية، كما هو واضح من ذكر الضرب على الوجه والمحاكمة والتسخير. ولذلك فان هذا القانون يرمى الى انه اذا أساء الينا شخص او هجانا او وشي بنا، او تعمد ان يلحق بنا ضررا باى وجه من الوجوه، فعلينا ان لا نقاومه، بل نسامحه ونصفح عنه بدلا من الالتجاء الى القانون القديم القائل "عين بعين وسن بسن".

ولقد تأيد هذا القانون الرابع فى (رو12: 17-21) حيث يقول "لا تجازوا أحدا عن شر بشر... ان كان ممكنا فحسب طاقتكم سالموا جميع الناس. لا تنتقموا لأنفسكم ايها الاحباء". أى لا تقاوموا الشر الذى يوجه ضدكم، "بل اعطوا مكانا للغضب" - أى غضب الله - "لانه مكتوب لى النقمة انا اجازى يقول الرب. فان جاع عدوك فاطعمه وان عطش فاسقه لانك ان فعلت هذا تجمع جمر نار على رأسه. لا يغلبنك الشر بل اغلب الشر بالخير.".

لا تقاوم الشر بالشر
لا تقاوم الشر بالشر

لا تقاوم الشر بالشر


وكنت قبل ان ادرك معنى هذا القانون واقف على حقيقة مطلبه، اظن نفسى مصيبا عندما كنت اقاوم الشر الذى يقصده بى الآخرون، معتقدا ان ذلك خير لهم، معللا نفسى اننى ان لم اقاوم الشر يصوبونه الى كنت مشجعا لهم على المضى فى طريقهم الشرير، والتورط فى فعلهم الاثيم، وربما قادهم ذلك الى توجيه الاساءة نفسها الى آخرين غيرى.

ولكننى بعد ان انفتحت عيناى عرفت ان الله يستطيع ان يعامل من يسيئون الى بطريقة انجع من تلك التى أعاملهم انا بها، فليس من واجبنا ان ننتقم لانفسنا من الآخرين، بل علينا ان نحبهم وان نصنع بهم خيرا، وندع الله يعاملهم كما يشاء.

اننى اعتقد ان الله يريد منا ألا نقاوم الشر سواء فى افعالنا او فى كلامنا او فى قرارة قلوبنا فانه يكشف اسرار القلب ودخائله. فهل تسألنى بعد ذلك ان كان ممكنا ان نحفظ هذا القانون؟ الانسان الجسدى الطبيعى لا يستطيع ان يحفظ هذا القانون لأن فى طبيعتنا إحساسا يثور طالبا مقاومة الشر الذى يقصده الآخرون بنا، وما ذلك إلا روح الانتقام الذى لا يخلو منه انسان جسدى طبيعى واما ابناء الله الذين هم فى حظيرة ملكوته ففى مقدورهم ان يسلكوا بحسب هذا القانون.

ولكن ما هو ذلك الاحساس الذى يثور فى داخلنا ويدفعنا الى تعدى هذا القانون؟

ما ذلك إلا جزء من الطبيعة العتيقة الشريرة التى ورثناها عن آدم وما زالت عالقه بنا. على أن لنا منها نجاة ومهربا فان المسيح بموته على الصليب قد كفر عن كل خطايانا وأعمالنا الشريرة تكفيرا تاما وليس ذلك فحسب بل لقد صنع شيئا اكثر من ذلك إذ فصل فى موضوع طبيعتنا الشريرة أعنى الخطية الكامنة فينا التى تدفعنا الى تعدى قوانينه "فانساننا العتيق" كما دعاه بولس الرسول قد صلب معه، فاذا حسبنا أنفسنا أمواتا عن الذنوب وألقينا اتكالنا على ما صنعه المسيح لأجلنا استطعنا ان نختبر ذلك عمليا فى حياتنا، واستطعنا ان نعرف صحته وحقيقته، لأن فى جراحات الرب يسوع المسيح شفاء لنا وتطهيرا.

كيف نستطيع ان نتطهر من كل اثم
كيف نستطيع ان نتطهر من كل اثم

كيف نستطيع ان نتطهر من كل إثم


ومن يدرى فقد تكون انت محتاجا الآن الى هذه اللمسة الشافية المطهرة، فلربما أساءك بعض الناس فاضمرت لهم المقاومة فى قلبك فلم تعد تأسف لفشلهم فى الحياة او تحزن لحزنهم ومصابهم، وليس بعيدا ان يكون الله قد وضع اصبعه على هذا العيب فى حياتك الآن فادركت خطأ مسلكك بازائهم... ألا ليتنا نسرع بالتوبة والاعتراف بضعفنا عندما نشعر بروح المقاومة يدب فى قلوبنا، ولنؤمن بالوعد القائل "ان اعترفنا بخطايانا فهو امين وعادل حتى يغفر لنا خطايانا من كل أثم" (1يو9:1) وعندئذ يغفر الله لنا خطايانا، وليس ذلك فحسب بل يطهرنا من كل اثم فينا يدفعنا الى الخطية. ويجردنا من مجرد الرغبة فى مقابلة الشر بالشر.

رأينا كيف نستطيع ان نتطهر من كل اثم ونخلص من كل خطية، وليس معنى ذلك اننا نستطيع القول باننا بلا خطية فان فى نفوسنا أشياء كثيرة لا نشعر نحن بها بل يعلنها الله لنا عندما نستطيع ان نتحمل ذلك، وكل ما يكشفه نور الله لنا يستطيع دم المسيح ان يطهرنا منه. فشكرا لله على هذا الخلاص العجيب.

فما هى نتيجة من حفظ القسم الاول من القانون الرابع؟ نتيجة ذلك ان العالم يبتدئ ان يؤمن بصحة ديانتن، ويستطيع الله عندئذ ان يستعملنا وسيلة لبركة الآخرين لأن حياة المسيح تظهر إذ ذاك فينا وبنا فينجذب الكثيرون اليه ويعرفوه.

نعم اننا نريد ان يقتفى كل منا اثر خطوات الرب يسوع المسيح "الذى إذ شتم لم يكن يشتم عوضا وإذ تألم لم يكن يهدد". ولا يسعنى إلا ان اكرر لكم كلمات الرب يسوع المسيح نفسه "لا تقاوموا الشر" فان لطمك احد على "خدك الأيمن"، فبدلا من ان تقاومه وتعامله بالمثل، "فحول له الآخر ايضا"، "ومن أراد ان يخاصمك ويأخذ ثوبك"، فبدلا من ان تقاومه "اترك له الرداء ايضا"، "ومن سخرك ميلا واحدا" - وقد كان الرومان يسخرون الناس لقضاء مآربهم بلا حق - فبدلا من ان تقاومه، "اذهب معه اثنين".

ليت الرب يعطينا نعمة لنسلك بحسب ذلك، وليته كذلك ينقى من قلوبنا وحياتنا كل ما ليس مرضيا له، ويملأنا بروحه القدوس ليساعدنا على التشبه به.

0/Post a Comment/Comments