الخواتم الثلاثة

الخواتم الثلاثة "واجعلوا خاتما في يده" 

كل أفراح السماء تتقدم لملاقاتك والله نفسه يصرخ من عرشه "اجعلوا خاتما في يده". 

"واجعلوا خاتما في يده" (لو22:15) 

لست أريد أن أعيد على مسامعكم قصة الابن الضال بأكملها. كلكم تعرفون أي بيت تركه وأي ضنك قاساه بعد أن ترك ذلك البيت. وتذكرون كيف انه بعد فترة التشرد التي جاز فيها، عزم على أن يعود ويسكب أشجانه في أحضان الغفران الأبوي. 

"واجعلوا خاتما في يده"
الخواتم الثلاثة "واجعلوا خاتما في يده" 

نعم لقد كانت ضجة كبيرة أمام باب ذلك المنزل الكبير. الخدم يركضون من هنا ومن هناك متسائلين (ماذا حدث؟ ماذا جرى؟) ولكن قبل أن يصلوا إلى جلية الأمر يصرخ الأب الشيخ قائلا "اجعلوا خاتم في يده". 

يا للغرابة! ماذا عسى أن يفعل بالخاتم مثل هذا الصعلوك؟! آه. ولكن هو الابن. قد ترك رعاية الخنازير. ترك شهوة الأكل من الخرنوب. ولم يعد به حاجة إلى تجريح قدميه. هيا اخلعوا عنه الأسمال البالية وألبسوه الثوب! واجعلوا خاتما في يده! 

هكذا يستقبل الله كل واحد منا حين نعود اليه. 

توجد خواتم من ذهب وخواتم من لؤلؤ ومن ماس ولكن أثمن خاتم يمكن أن تقع عليه العين هو الخاتم الذي يجعله أبونا في نفس مفدية. 

أنا أعلم أن كثيرا من الناس يخالون أن الديانة تحقر الأنسان وتنتقص من قدره. وأنها تذهب بكل الضياء الذي يسطع من نفسه. وانه لمن الضعة أن يستبدل الأنسان حريته الغالية بعبودية ضيقة. ولكن الأمر على عكس ذلك. حين يصبح الأنسان مسيحيا لا يسير في طريق النزول بل في طريق الصعود. والديانة تضاعف ما للإنسان بنسبة واحد إلى عشرة آلاف بل إلى ما لا نهاية. إنها تصقل النفس وتكسبها رواء وبهاء وإشعاعا. وحين يأتي الأنسان إلى ملكوت الله لا يدخل في خدمة دنيئة بل أن الله القدير من تلك المغاني السماوية يدعو الملائكة المرسلين الواقفين أمام عرشه ليطيروا ويضعوا خاتما في يده. في المسيح لنا أعظم الحرية وأبهج الفرح وأسمى الشرف وأغلى الزينة. 


خاتم التبني 


وألاحظ بادئ ذي بدء أن المسيح حين يقبل النفس في محبته يزينها بخاتم التبني. 

كثير من الناس يتفاخرون بنسبهم وبشرف محتدهم ورفعة أصلهم. والبعض يتباهون بالدم الملكي الذي يجرى في عروقهم. لقد يكون من أسلافهم أمير أو ملك أو وزير. ولكن حين يلبسنا أبونا وسيدنا خاتم البنوة نصبح أبناء ملك العالم باسره. 

"انظروا أية محبة أعطانا الآب حتى ندعى أولاد الله". لا يهمنا ما تكون عليه ثيابنا من الحقارة أو ما يكون عليه طعامنا من المسكنة أو ما يكون عليه معيشتنا من الضعة. طالما أن لنا خاتم البنوة في أيدينا فنحن واثقون من الحماية الأبدية 

أولاد الله! إذن فنحن اخوه وأخوات لجميع القديسين والأفاضل في الأرض والسماء. لنا اسم العائلة – وثياب العائلة – ومفاتيح العائلة – ومخازن العائلة... الأب يعتنى بنا – ويكسونا – ويدافع عنا – ويباركنا. لنا دم ملكي يجرى في عروقنا. ولنا تيجان تنتظرنا. إن كنا أبناء الله فنحن أمراء وأميرات. وسوف نتوج في الوقت المعين. 

أولاد الله! إذن فلنا أسرار العائلة. "وسر الرب لخائفيه". ولنا ميراث العائلة. وفى اليوم الذي يقسم الله فيه غنى السماوات سوف نستولي على نصيبنا من المنازل والقصور السماوية. فلا يحاول أحد أن يتطاول علينا وفى أيدينا شعار المجد الأبدي وهو خاتم التبني. 

الخواتم الثلاثة "واجعلوا خاتما في يده"

خاتم الزواج 


ثم حين يقبل المسيح إحدى النفوس في خاصته يلبسها خاتم الزواج. 

ليس هذا فكرا أستحدثه من عندي، فقد قال هو "وأخطبك لنفسي إلى الأبد وأخطبك لنفسي بالعدل والحق والإحسان والمراحم" (هو19:2) أمام مذبح الزواج يضع العريس عادة خاتما في يد عروسه دلالة على المحبة والأمانة. 

لقد تحل النوازل بعد ذلك بالبيت فتباع الطنافس وتذهب الصور والأثاث ويذهب كل شيء آخر – ولكن آخر شيء يذهب هو خاتم الزواج. وحتى بعد موت أحد الزوجين يخلعه المتخلف منهما من اليد التي تلبسه ويحتفظ به في علبة خاصة يفتحها كلما همت به الذكرى فتعرض أمامه مراحل الحياة التي اجتازاها معا. 

في داخل تلك الدائرة الذهبية مجال لآلاف الذكريات مبتدئة من ذلك الوقت الذي فيه في وسط عبق الأزهار الفياحة قد وضع الخاتم في اليد التي تلبسه إلى ذلك الوقت الذي فيه طارت تلك الروح فخلع الخاتم من اليد التي لم تعد تستجيب للمس والتي لبست الخاتم طول هذه المدة بأمانة وإخلاص ووفاء. 

في يوم من أيام الذكرى قد تأخذ هذا الخاتم وتجله فتعيد اليه طلائه القديم وعندئذ تستطيع أن ترى فيه بريق تينك العينين اللتين قد انقطعتا عن البكاء منذ زمن طويل. من ذلك ترون انى حين أقول عن المسيح انه حين يأخذ النفس في حفظه ويجعل في يدها خاتم الزواج فإني لست أتكلم عن شيء تافه. 

انه من تلك اللحظة يضع في حوزتك كل غناه. إنك تصبح واحدا أنت والمسيح – واحدا في الشعور – واحدا في الإحساس – واحدا في الرجاء. 

ليست هناك قوة على الأرض أو في الجحيم تستطيع أن تفصل بين النفس والمسيح بعد أن يتحدا معا. ملوك كثيرين قد طردوا شريكات حياتهم وأغلقوا دونهن أبواب قصورهم. فأحشويرش طرد وشتى ونابليون تخلى عن جوزفين. ولكن المسيح هو الزوج الأمين الصادق. إذا أحبك مرة فانه يحب إلى الأبد 

انه زواج أبدى. رباط لا تقوى على فصمه كل العواصف والزوابع والظلام. ما أمجد وأسمى أن يربط المسيح النفس البشرية بشخصه حتى تستطيع أن تقول "فإني متيقن انه لا موت ولا حيوة ولا ملائكة ولا رؤساء ولا قوات ولا أمور حاضرة ولا مستقبلية ولا علو ولا عمق ولا خليقة أخرى تقدر أن تفصلنا عن محبة الله التي في المسيح يسوع ربنا"

مجدا لله انه حين تتصل النفس بالمسيح يربطان معا بسلسلة – سلسلة ذهبية – إن جاز لي أن أقول ذلك – سلسة من حلقة واحدة، وهذه الحلقة الواحدة هي الخاتم الذهبي لمحبة الله الأبدية. 


خاتم الاحتفاء والتكريم 


أتقدم خطوة أخرى وأقول لكم انه حينما يقبل المسيح النفس في محبته في يدها يضع خاتم الاحتفاء والتكريم. 

تعلمون انه قد جرت العادة في مثل هذه الظروف السعيدة أن تمنح خواتم فمثلا في أعياد ميلاد أحبائنا لا نجد هدية أليق من خاتم جميل. إنك تسر بأن تقدم هدية كهذه لأولادك. إنها تعنى الفرح والبهجة والسرور. وحين أراد هذا الرجل الشيخ الذي جاء ذكره في آية موضوعنا أن يعرب عن سروره برجوع ولده أظهره بهذه الطريقة. 

وفى الواقع انه قبل أن يأمر بوضع الحذاء في رجليه العاريتين وقبل أن يأمر بذبح العجل المسمن لإشباع جوعه قال "اجعلوا خاتما في يده". 

نعم. وما أسعد الوقت الذي فيه تتحد النفس بالمسيح! ما أمجد الساعة التي يعلم الأنسان فيها انه على وفاق مع الله! ما أعظم أن أعلم أن الله قد أخذ كل خطايا حياتي وحزمها معا وطرحها في أعماق البحر حتى لا تظهر ثانية! الفساد قد ذهب! الظلام أضئ! الله قد تصالح! الضال قد رجع! "ضعوا خاتما في يده". 

في كل يوم أشاهد أناسا مسيحيين. أجد بعضهم في حالة الفقر الشديد. ليس لهم إلا الثياب التي عليهم. يسكنون في بيوت فقيرة خالية من كل وسائل الراحة. ولكنهم مع ذلك سعداء على قدر ما يستطيع الأنسان أن يكون سعيدا. يرتلون: 

أيها الفادي الغفور... ملجأي صخر الدهور 

بأحسن ما يرتلها مخلوق. لم يلبسوا حليا في حياتهم إلا هذا الخاتم الذهبي الأوحد خاتم محبة الله الأبدية. ما أسعد ما تصيرنا الديانة! هل جعلت الديانة منك شقيا حزينا؟ وهل جعلتك تسير خافض الرأس؟ انى اشك أنك حصلت على شيء من الدين يا أخي. فليس هذا تأثير الديانة. أن الديانة الحقة هي فرح "طرقها طرق نعم وكل مسالكها سلام"

إن الديانة تخفف أحمالنا. وتمهد سبيلنا. وتفسر لنا أحزاننا. وتستبدل الأصوات الأرضية المزعجة برنين الأجراس السماوية المبهجة. وأمام تنور التجربة الملتهب تضع القالب الذي تصاغ فيه الصولجانات. فهلا تريد اليوم أن تتخلى عن رعاية الخنازير لتجرب هذه الديانة؟ 

كل أفراح السماء تتقدم لملاقاتك والله نفسه يصرخ من عرشه "اجعلوا خاتما في يده". 

إنك لست سعيدا. هذا ما أشاهده عليك. ليس لك سلام. وأحيانا حين تضحك تشعر بحاجتك أكثر إلى البكاء. إن العالم خادع غاش. في الأول يجذبك بأباطيله حتى يستنفد كل ما فيك، وبعد ذلك يطوح بك في الظلام. انه يأتي بعد أن يكون ذبح ألف ألف نفس ليحاول إهلاك نفسك اليوم. 

لا سلام بعيدا عن الله. ولكن في الله الينبوع الذي يشبع عطش نفسك. هنا الميناء التي تستطيع أن ترسو فيها بأمان. 

هلا تريد يا أخي لنفسك مسندا للراحة لتسند عليه رأسك التعب؟ وهلا تريد حين تأوي إلى فراشك في المساء أن تشعر بالاطمئنان التام سواء لديك أكنت تستيقظ غدا صباحا في الساعة السادسة أم تنام النوم الذي لا تعقبه يقظة؟ اقبل الرب يسوع تكن آمنا. وإذا تصادف أن قابلك وأنت عائد اليوم إلى منزلك خطر داهم فانه لن يؤذيك. تعلم أنك أن مت في الحال تقوم وتقف في الشوارع السماوية وتدخل في زمرة الجمع المحتشد الذين يعبدون إلى أبد الآبدين. في سعادة دائمة. وإذا نزل بك اليوم مرض مفاجئ فإنك لن تنزعج. ولو علمت أنك راحل من هذا العالم فإنك تستطيع أن تلقى في بيتك الأرضي وداعا هادئا وتعلم أنك ذاهب رأسا إلى صحبة أولئك الذين صاروا بمنجاة من التعب والبكاء. 

البعض منكم بلا شك يريدون أن يصيروا مسيحيين. قد يكون لهم زمن طويل وهم يفكرون في هذا الأمر. علموا بالاختبار أن العالم نصيب خاسر. لقد اقتربوا إلى ملكوت الله وأوشكوا على الدخول فيه ولكن إلى هنا يقفون ناسين أن الأنسان إما أن يكون مخلصا تماما أو ليس مخلصا قط. 

آه يا أخي بعد أن تكون قد وصلت إلى هذا القرب من باب الرحمة إذا رجعت على عقبيك فإنك لن تدخل قط. بعد كل ما سمعته عن صلاح الله إذا تحولت عن سبيله ومت فلن يكون لك شبه عذر في هلاك نفسك. 

يا ليت الله القدير يرف على نفسك هذه الساعة ويأتي بك من خرنوب الخنازير إلى بيت الآب ويجلسك على مائدته قائلا "اجعلوا خاتما في يده".

0/Post a Comment/Comments