العمل مع الله
لكل منا عمل خاص عينه الله له يطلب منا ان نتممه منفردين وبكل أمانة وإخلاص.
رجل ذو عائلة كبيرة وهو العائل الوحيد لها. يستيقظ باكرا جدا في الصباح ويرتدى ثيابه ويحمل زاده ويخرج إلى عمله. يفتح باب بيته ويبصر الفجر الجميل بأشعته البنفسجية الساحرة فلا يعبأ به، يسير بين صفين من الأشجار الوارفة الظلال والنسيم العليل يداعب أغصانها الرطبة فيؤلف حفيف أوراقها لحنا شجيا وهو لا يبالي به، يمر فوق الغدير ويبصر ماءه الزلال يترقرق متقلبا على صهبائه كخيوط من فضة ولا يجتذب هذا المنظر أنظاره، ترسل مليكة النهار أشعتها الذهبية فوق الجبال والوهاد والسيول فتبتسم لها الطبيعة الجميلة وينتعش الكون بأسره ولأشيء من هذا يبهج نفسه المتألمة أو يبعث فيها قبسا من نور الأمل والرجاء.
فهو يعتقد في نفسه انه مظلوم، وانه ليس سوى آلة تعمل وتشتغل
من اجل غيره، بينما غيره من الناس يعيش متنعما وخاليا من هموم الحياة وشقائها.
وظل هذا شأنه
مدة طويلة. وفي احدى الليالي استيقظ باكرا على خلاف عادته وشرع يفكر في حاله.
وفجأة سمع صوتا داخليا يقول له: "ما أنت يا هذا سوى عامل مع الله. وقد عينك
الله في هذا العمل الذي أنت عامل فيه. وهو يعمل معك على إتمامه. كما انه قد عين
غيرك في أعمال أخرى وهو يعمل معهم على إتمامها، وجميعكم معا إنما تتممون مقاصد
الله الأزلية الصالحة".
وإذ ذاك غمر
الفرح قلب هذا الرجل فقال ووجهه يطفح بشرا: "الآن عرفت إنني اعمل مع الله وان
الذي يعمل مع الله يجب أن يكون عمله مقدسا".
ثم خرج من البيت حسب عادته وأبصر
الفجر الجميل فانتعشت روحه في داخله، وسار بين الأشجار فالفي فيها جمالا ساحرا،
واصغى إلى حفيف أوراقها فاذا به يسمع نشيدا علويا، ونفخ النسيم العليل فجدد آماله في
الحياة، واصغى إلى تغاريد العصافير فاذا به يسمع أنشودة الحياة المبهجة، ومرفوق
الغدير واصغى إلى صوت مياهه الجارية فطربت له نفسه. أشرقت الشمس وامتدت حبال نورها
فوق الأرض فشعر ببهجة لا يدركها عقل.
واستيقظت اشتياقاته الروحية فصرخ من أعماق
نفسه قائلا: "أنت عظيم يا إلهي وجواد وقدوس وعامل أمين مع الأنسان لإتمام
مقاصدك السامية بواسطته في العالم".
إن غايتنا هي:
التزود بقوة جديدة للعمل مع الله في العالم.
الأشجار والأطيار
المغردة على أفنانها تسمعنا نشيدا سماويا، والنسيم العليل ينعش نفوسنا ويقوى
رجاءنا، والشمس المشرقة تبهج حياتنا وتجدد آمالنا وتوقظ فينا الاشتياقات الروحية
السامية، كل هذا يؤكد لنا سمو هذه الغاية وقداستها، ويوحى الينا بالحقائق التالية:
-
- أولا: تعدد المواهب. لكل مما ذكرت عمل خاص بهز فالشمس تعطى نورها، والطيور الحانها المطربة، والنسيم إنعاشه، والأشجار رواءها. وكل منها تقوم بقسطها من العمل مستقلة كل الاستقلال عن غيرها.
- ثانيا: الاتحاد. قلت ان لكل من هذه العوامل عمله الخاص به الذي يقوم بإتمامه مستقلا كل الاستقلال عن غيره من العوامل الأخرى ولكنها جميعها تتحد في إيجاد هذا المشهد البهيج والمنعش للنفوس. فهي وان كانت تعمل منفردة ومستقلة أما هي نفس الوقت تتمم مقاصد الله السامية وهي: "الإنعاش والتجديد والبهجة".
- ثالثا: تجدد هذه الأعمال في كل يوم واستمرارها. فان ما يعمله الواحد منها اليوم يعمله أيضا في الغدون أن يؤثر فيه شيء البتة. فهو أمين إلى الأبد في عمله مع الله.
- رابعا: الاقتراب من الله. فنحن نسمع صوته في حفيف إوراق الشجر وفي هدير المياه، ونلمس قوته في الجبال الراسية، ولطفه في الهواء العليل، وجماله ومحبته في الشمس المشرقة. فهو قريب منا بقدر اقتراب الطبيعة منا ونحن قريبون منه بقدر اقترابنا من الطبيعة.
فهنالك والحال هذه شبه عظيم بيننا وبين هذه العوامل في علاقتنا مع الله وفي عملنا معه لإتمام مقاصده الإلهية فنحن قريبون جدا منه ونعيش معه ولكل منا عمل خاص عينه الله له يطلب منا ان نتممه منفردين وبكل أمانة وإخلاص.
وهذا العمل يتجدد في كل صباح مرفوقا
ببركة خاصة من لدنه تعالى. كما إننا نعمل متحدين وباتحادنا هذا تتم مقاصد الله
فينا وفي العالم. لان مقاصد الله لا يمكن ان تتمم على غير هذه الكيفية. فنسأله تعالى
أن يفتح عيوننا لنبصر هذه الحقيقة السامية ونعمل معه لإصلاح العالم وإتمام مقاصده.
إرسال تعليق