لا تدينوا لكى لا تدانوا

لا تدينوا لكى لا تدانوا


"لا تدينوا لكي لا تدانوا لأنكم بالدينونة التي بها تدينون تدانون وبالكيل الذي به تكيلون يكال لكم. ولماذا تنظر القذى الذي في عين اخيك واما الخشبة التي في عينك فلا تفطن لها؟ أم كيف تقول لاخيك: دعني اخرج القذى من عينك وها الخشبة في عينك. يا مرائي اخرج اولا الخشبة من عينك وحينئذ تبصر جيدا ان تخرج القذى من عين أخيك! لا تعطوا المقدس للكلاب ولا تطرحوا درركم قدام الخنازير لئلا تدوسها بأرجلها وتلتفت فتمزقكم". (مت7: 1-6)

لا تدينوا لكى لا تدانوا
لا تدينوا لكى لا تدانوا

يمكن مشاهدة مقدمة الموضوع من هنا ملكوت السموات وقوانينه


وردت الكلمة اليونانية المترجمة "تدين" 113 مرة فى العهد الجديد، وهى مترجمة تارة "تدين" واخرى "تحكم" وطورا "تقضى".

ولا يفوتنا ونحن فى مستهل هذا القانون ان ننبر على ضرورة تجنب الحكم على الاخوة اذا نحن اردنا ان نسلك فى حدود هذا القانون فإن الله لم يرسل ابنه الى العالم ليدين العالم بل ليخلص به العالم. وعلينا كتلاميذه أن نقتفي أثر خطواته، فلا ندين اخانا اما فى قلوبنا او فى كلامنا.

ولقد كنت أظن قبلا أن الدينونة المقصودة هنا لا تتعدى المعنى الذى تفيده كلمة "دينونة"، ولذلك كنت اطلب الى الله دائما ان يساعدنى حتى لا ادين احد، ولكنني عندما تأملت موعظة المسيح فى السهل كما هي مدونة في لوقا 6 وجدته يقول "لا تدينوا لكى لا تدانوا. لا تقضوا على احد فلا يقضى عليكم". وليس من شك في أن الكتاب المقدس لا يحوى تكرارا مملا لا طائل تحته. ولما كانت الكلمة اليونانية الاصلية تفيد "الغربلة" لذلك عرفت انها لا تقتصر على حد الدينونة فحسب بل تتعداها الى الذم والانتقاد.

ولقد تأيد هذا القانون فى رسالة بولس الرسول إلى أهل رومية حيث يقول "ومن هو ضعيف في الإيمان فاقبلوه، لا لمحاكمة الأفكار. واحد يؤمن أن يأكل كل شيء، وأما الضعيف فيأكل بقولا. لا يزدر من يأكل بمن لا يأكل، ولا يدن من لا يأكل من يأكل، لأن الله قبله. من انت الذي تدين عبد غيرك؟ هو لمولاه يثبت او يسقط. ولكنه سيثبت، لأن الله قادر أن يثبته. واحد يعتبر يوما دون يوم، وآخر يعتبر كل يوم. بل يتيقن كل واحد في عقله: الذي يهتم باليوم، فللرب يهتم. والذي لا يهتم باليوم، فللرب لا يهتم. والذي يأكل، فللرب يأكل لأنه يشكر الله. والذي لا يأكل فللرب لا يأكل ويشكر الله. لان ليس احد منا يعيش لذاته، ولا أحد يموت لذاته. لأننا إن عشنا فللرب نعيش، وإن متنا فللرب نموت. فإن عشنا وإن متنا فللرب نحن. لأنه لهذا مات المسيح وقام وعاش، لكي يسود على الأحياء والأموات. وأما أنت، فلماذا تدين أخاك؟ وأنت أيضا، لماذا تزدري بأخيك؟ لأننا جميعا سوف نقف أمام كرسي المسيح، لأنه مكتوب:«انا حي، يقول الرب، انه لي ستجثو كل ركبة، وكل لسان سيحمد الله». فإذا كل واحد منا سيعطي عن نفسه حسابا لله. فلا نحاكم ايضا بعضنا بعضا، بل بالحري احكموا بهذا: أن لا يوضع للاخ مصدمة او معثرة". (رو14: 1-13)

ولكنك قد تقول لى "ألم يأمرنا الله في موضع آخر أن ندين الآخرين" بلى فهناك دينونة حقه وقضاء عادل، كيف لا وبولس الرسول يقول "الستم تعلمون ان القديسين سيدينون العالم"، ثم يستطرد الحديث بعد ذلك منبرا على أنه إذا كانت هناك صعوبة ما فمن حق الكنيسة أن تفصل فيها دون الالتجاء إلى المحاكم الأرضية (1كو6: 1-7). وكذلك قال المسيح "لا تحكموا حسب الظاهر بل احكموا حكما عادلا" (يو24:7). ولا بد لنا من الحكم أيضا إذا نحن أردنا أن ننفذ الأمر القائل "لا تعطوا القدس للكلاب ولا تطرحوا درركم قدام الخنازير" (مت6:7) فنحن ملزمون في هذه الحال أن نحكم من هم "الكلاب" ومن هم "الخنازير".

ان امورا كثيرة تعترض سبيلنا فى الحياة وعلينا أن نحكم فيها، فمن واجبى كخادم الإنجيل مثلا ان افحص كل من يتقدم لعضوية الكنيسة أو للخدمة المسيحية، وأن احكم اللائق هو أم لا. وعلينا كذلك أن نحكم فى من يتهيئون للخروج للحقل التبشيرى وان نقول إن كانوا صالحين لهذا العمل الخطير او لا. وعلى التاجر أن يحكم على حرفائه (زبائنه) وهكذا. فنرى من ذلك أن هناك دينونة عادلة وأخرى جائرة. ومن المهم أن نعرف متى نحكم على اخينا ومتى لا نحكم عليه. اما هذا فأمر سهل المعرفة واضح التمييز.

فليس جائرا لى ان ادين اخى ما لم يدعني الله الى ذلك، فإذا ما طلب الله منى ذلك فعلى أن اسلك فى هذا الأمر كما سلك السيد المسيح نفسه، فقد قال مرة " انا لا اقدر ان افعل من نفسي شيئا. كما اسمع ادين ودينونتى عادلة لأني لا أطلب مشيئتى بل مشيئة الآب الذى أرسلني. من هذا نرى أن المسيح بحسب الجسد لم ينقد الى ارائه كما يفعل البشر بل كان يسمع صوت الآب فى كل شئ وكان يدين الناس بمقتضى ما يسمعه. لذلك وجب علينا أن نعرف فكر الله في كل أمر. وهكذا نرى أن كل ما يصوب نحو أحد الاخوة من انتقاد أو دينونة لا يتفق وفكر الله خطية لا محالة، إذ أن هذا الأمر يعتبر نقضا لقانون المحبة،يمكنك الرجوع إلى القانون الخامس عن المحبة من خلال هذا الرابط محبة الأعداء فى المسيحية  وخروجا على القانون القائل "لا تدينوا".

أليس هذا أيها الأحباء من الخطايا الشنيعة التي وقعت فيها الكنيسة في يومنا هذا؟ ألسنا جميعا واقعين في هذا الجرم فكم من المرات صوبنا نحو أخينا سهام الانتقاد بينما لم يأمرنا الله بذلك. بل انى اخشى ان بعضا منا قد غلبت عليهم ملكة الانتقاد لدرجة أنهم أصبحوا يفخرون بقدرتهم النادرة على "اعطاء نظرة اجمالية سريعة" عن تصرفات الاخوة وحياتهم.

تلك خطية يسوقنا الآخرون الى الوقوع فيها بسهولة عظيمة، فبينما هم يتحدثون الينا عن أحد الاخوة يطلبون عرضا أن يعرفوا رأينا عنه وحكمنا فيه، وهكذا نجد أنفسنا فى مأزق حرج مع أننا شخصيا نرغب فى تنفيذ هذا القانون - قانون محبة الآخرين. يمكنك الرجوع إلى القانون من هنا محبة الأعداء فى المسيحية

لا تدين بحسب الظاهر

لا تدين بحسب الظاهر


أن هناك أسبابا كثيرة يجب علينا من أجلها ألا ننتقد أخانا، فلقد نخطئ فى انتقادنا إياه لاننا كثيرا ما نحكم حسب الظاهر فيصبح حكمنا خطأ مبينا، ولنضرب لذلك مثلا من كلمة الله، فنحن نعلم أن الله أمر إبراهيم أن يأخذ ابنه اسحق ويقدمه محرقة لله. فلم يخبر ابراهيم سارة ولا أعلم أحدا من خدمة بكلمة من هذا.

وفى ذات صباح شد ابراهيم رحاله وخرج بصحبة ابنه اسحق يتبعهما اثنان من الخدم وانطلقوا جميعا صوب جبل المريا، إذا بلغوا سفح الجبل أمر ابراهيم خادميه أن ينتظراه هناك، وأما هو وابنه فصعدا إلى الجبل. فلو فرضنا أن الخادمين اشتبها فى عمل سيدهما واقتفيا أثره ليريا ما سيكون من أمره، واختبأا وراء الصخور والأشجار يختلسان النظرات وإذا بهما وقد وصلا إلى قمة الجبل يريان إبراهيم يرفع يده ليذبح ابنه اسحق... ترى ماذا كانا يقولان عنه، لا ريب أنهما كانا يصقلان لسانهما على ابراهيم قائلين انه كان موشكا أن يذبح ابنه لولا الله الذى تداخل فى الأمر ومنعه من اقتراف تلك الجريمة الشنعاء، مع أننا نعلم علم اليقين أن ذلك العمل الذي أتاه إبراهيم كان من أعظم أعمال البر التي عملها ابراهيم، ومع ذلك فلست أظن أننا نكون أقل خطأ من هذين الخادمين إذا نحن حكمنا على اخوتنا بحسب الظاهر.

وعلينا كذلك ألا ندين أخانا إذ مهما كان مخطئا فى نظرنا وبحسب ما وصل الينا من نور فقد يكون مصيبا بالنسبة الى النور الذى عنده، وهاك مثلا يوضح ما أقول، ها هو رجل يمشى وسط حقل قد نصبت فى أوله لوحة تحرم المرور فيه دون أن يعلم ذلك الرجل بأمرها، فأنت بلا شك مخطئ إذا ما حكمت عليه بانه متعد القانون فهو لم يره. لذلك يجب علينا ألا يدين أحدنا الآخر بحسب ما وصل إلينا من نور "هو لمولاه يثبت أو يسقط".

ثم أننا لو عرفنا أن نعمة الله هى التي ميزتنا عن غيرنا لما تجرأنا على الحكم عليهم، كما يقول بولس الرسول "أى شئ لك لم تأخذه" ويقول أيضا "حاسبين بعضكم البعض أفضل من أنفسهم" (فى3:2). وقد تسألني "كيف أستطيع أن أفعل هذا فأفضل عن نفسى رجلا يعيش في الخطية علنا" نعم يمكنك أن تفعل هذا إذا افترضت انه كان ممكنا لذلك الإنسان أن يكون خيرا منك لو أتيح له ما لك من ظروف ونعمة وفرص، وانك كنت تصبح أردأ منه لو كان لك ما له من ظروف واعتبارات.

ويجب علينا أيضا ألا ندين أخانا لما يجره ذلك من دينونة علينا "لأنكم بالدينونة التي بها تدينون تدانون وبالكيل الذي به تكيلون يكال لكم ويزاد".

إن أكثر الناس نقدا هم أكثر الناس تعرضا للنقد وليس الامر كذلك فحسب بل إن ما نرتكبه بانتقادنا الاخوة يشوه افكارنا الروحية ويفسدها، فهو الخشبة التى تطمس عيوننا وتجعلنا غير قادرين على رؤية القذى الذى فى عيون الاخوة.

ولا ننس أيضا أننا اذا حكمنا على اخينا فقد تعدينا الوصية الجديدة التى تقضى بأن يحب بعضنا بعضا. فنقرأ فى (1بط8:4) "ولكن قبل كل شيء لتكن محبتكم بعضكم لبعض شديدة لان المحبة تستر كثير من الخطايا"، فلو كنا نحن الاخرين حقا لما وجدنا فى نفوسنا رغبة فى انتقادهم بدون حق - "المحبة تتأنى وترفق".

لا تدين حتى لا تحزن الروح القدس

لا تدين حتى لا تحزن الروح القدس

وأخيرا علينا ألا ندين أخانا لان ذلك يحزن الروح القدس، فليس ثمة شئ يعطل عمل الله فى الكنيسة أكثر من محاولة المسيحيين أن ينقبوا عن خطايا بعضهم البعض وأن يحكم أحدهم على الآخر. فإذا ما دخل الانتقاد بينهم ولى الروح القدس، ولا عجب إذ ذاك إذا شكونا قلة البركة وعدم الحصول على النتيجة المرجوة من أتعابنا وخدمتنا: 

ليت الله يخلصنا من هذه الدينونة الشريرة، ومهما كنا قد افرطنا فيها سنينا طويلة ومهما كانت ملكة الانتقاد قد تغلغلت في نفوسنا فإن الله قادر أن يخلصنا منها ولا شك أن فى الجلجثة خلاصا أكيدا لنا.

ويجدر بنا أن نعرف السبب الذى يدفع المسيحيين إلى الحكم على الآخرين. فاسأل نفسك الآن لماذا تدين أخاك فلو كنت مخلصا فى الجواب فلا بد انك تعترف ان السبب فى ذلك راجع إلى الحسد. فشعورك بروح الحسد يجعلك تود لو أنك مزقت أخاك شر ممزق و يدفعك لان تقول فيه كل ما هو خشن وان تفكر فيه بكل ما هو مبتذل ممقوت. فالحسد جزء من الإنسان العتيق الذى سمر على الصليب، وشكرا لله أن لنا منه نجاة ممكنة وتطهيرا مستطاعا. ولا يفوتنا أن نشير الى أن حكمنا على أخينا يرجع كذلك الى الكبرياء والحقد والضغينة. ولذلك أقرر لك صراحة الحق أن كل ما يدفعنا الى القضاء على أخينا بدون امر من الله ان هو الا خطية لامراء فيها، وكل ما يسوقنا الى تعدى قانون المحبة خطية صريحة كذلك.

على أن الدافع لهذه الدينونة ليس هو الاثم فحسب، بل أن البر الذاتى يلعب فى ذلك دورا هاما، فإذا اتفق ان كنت انا صبورا طويل الاناة وكان اخى ضجرا سريع الغضب حكمت عليه ودنته وان كنت لا انبس ببنت شفه ذلك أمر طبيعي في القلب لا جدال فيه ولا مراء.

واذا كنت انا مطبوعا على الكرم ومتحليا بالسخاء وكان اخى بخيلا مقترا حكمت عليه فى قلبى وان لم أتفوه أمام أحد بما حكمت.

أليست هذه هي الحقيقة المرة؟ أن فضائلنا الطبيعية التى تحلينا بها قبل أن نلج باب الملكوت تأبى إلا أن تصدر حكمها على الاخوة فتنقض قانون المحبة، وهي بعملها هذا تبرهن، ان كنا نحتاج الى برهان، انها فاسدة فاشلة.

فقد يسرنا جد السرور أن نتخلص من الكبرياء والحسد وما شاكلهما واما ما كان فينا من فضائل طبيعية ورثناها قبل أن ندخل فى حظيرة ملكوت السموات فهذه لا نعدها جزءا من الحياة العتيقة، ولذلك نظل متمسكين بأهدابها غير عارفين انها ما دامت جزءا من الإنسان العتيق فواجبنا أن نفصل فيها عند الصليب. وشكرا لله انه فى مقدورنا أن نستبدل بها فضائل يسوع المسيح الجليلة.

وختاما يجب علينا ان نعرف انه حيث الاعتراف الحقيقي فهناك التوبة الصادقة، وحيث التوبة الصادقة فهناك إيمان حى يقوم على عمل المسيح الكامل، وهكذا تغدو حقائق الصليب أمورا جوهرية فى حياتنا. ولا شك عندي أن فى استطاعتنا أن نخلص من روح الدينونة اللعين خلاصا كاملا شاملا يجعلنا قادرين على أن نقول بحق "لست اشعر بميل يدفعنى لأن ادين اخي".

0/Post a Comment/Comments