هل تحب الله كما يحبك

هل تحب الله كما يحبك 


"وَلكِنِّي قَدْ عَرَفْتُكُمْ أَنْ لَيْسَتْ لَكُمْ مَحَبَّةُ اللهِ فِي أَنْفُسِكُمْ." (يو 5: 42)
إذا اتحدت بيسوع المسيح تصبح مسكنا لله بالروح. والآب يجعلك شريكا في محبته والابن في نعمته والملائكة في صداقتهم. 

هل تحب الله كما يحبك
هل تحب الله كما يحبك

الأشخاص الذين وجه الرب لهم هذه الكلمات كانوا يملئون أفواههم فخرا بما كانوا عليه من التدين. كانوا يتباهون بمعرفتهم لله ومشيئته، معلنين انهم إسرائيل الله وهيكل الله، ناظرين باحتقار وازدراء إلى الأمم الذين حولهم كأنهم غرباء عن ناموس الله. ولكن هؤلاء الفريسيين المعجبين بأنفسهم الذين عاصروا ربنا المبارك في حياته الأرضية كانوا – كما تؤكد لنا هذه الآية – بعيدين عن محبة الله نظير من لم يسمعوا عن اسمه قط. 

وهكذا أصبح الأولون آخرين، والآخرون أولين. أن رفض الإنجيل لينم عن قساوة في القلب ويكشف عن بغضة كامنة لله. ولو كان أولئك الفريسيون كما قال ربنا يعرفون الله لعرفوا انه مرسل من قبل الله. 

أما وقد وقفوا إزاءه موقف العداوة المستحكمة فانهم قد برهنوا على عداوتهم للذي أرسله. 

ونحن يا إخوتي معرضون لان نقع في هذا الخطأ الذي وقعوا فيه... لأننا نعرف الله وكلمته ونقوم بشعائر الدين نفترض في أنفسنا المحبة له، ونظن أننا في طريق الحياة الأبدية. وان كثيرا من الحاضرين اليوم للعبادة هم في حاجة إلى التحذير من هذه الضلالة نظير الفريسيين القدامى. 

ولتحتملوا منى هذه الكلمة التي بها أدعو كل شخص منكم لامعان الرؤية والتفكير بغية أن يصل إلى كشف أخلاقه الحقيقية... 


أكتشف محبة الله في قلبك 

أن محبة الله باعتراف الجميع هي لب الديانة وجوهرها. ولهذا فموضوع الكشف عنها في قلوبنا من الخطورة بمكان. والسؤال الذي أريد أن ألفت نظر كل واحد منكم إليه هو 

"هل أنا محب صادق لبارئ نسماتي؟". 

وسوف أعينكم على الإجابة عن هذا السؤال من جهة نفوسكم، فقط أرجو أن يكون الإخلاص رائدكم. وانى سأسرد عليكم علامات مختلفة عن هذه المحبة. 

وبعد اختبار نفوسكم إذا رأيتم واقتنعتم أن قلوبكم خلو منها فلسوف أرشدكم السبيل إليها، وأريكم كيف تحصلون عليها. 

ولأتقدم في هذا السبيل. واذكر لكم أن من أولى العلامات في ذلك نوع الأفكار التي تمر بخواطركم حين تكون مطلقة من كل قيد لا يتحكم فيها ظرف من ظروفكم الخاصة. 

لان هذه الظروف كثيرا ما تطبع الأفكار بطابعها الخاص. أما الأفكار التي أقصدها فهي التي تدخل العقول على سبيل العادة – وبغير استئذان – حين تكون النفس مرسلة على سجيتها لا يؤثر عليها مؤثر خارجي. 

هذه الأفكار تشف عن أخلاق الأنسان الحقيقية، وميوله الخفية. والسؤال الذي أطرحه أمامكم هو: 

ما هو اتجاه أفكاركم حين تخلون إلى أنفسكم؟ 

في ساعات الراحة والهدوء، في سكون الليل، وبالاختصار حين تكون عقولكم حرة طليقة؟ هل الأفكار المألوفة لديكم في مثل هذه الأوقات هي أفكار عن الله والأمور الإلهية، أم هي أفكار تدور حول العالم الحاضر ومشاغله الباطلة؟ هل هي محصورة على الأغلب في دائرة الزمن والحواس أم هي تسبح في أجواء العالم الروحي الأبدي؟ 

الجواب على هذا السؤال يذهب بعيدا في سبيل تحديد علاقتكم بالله. فانه لمن المستحيل أن الله جل جلاله يغيب طويلا عن أفكارنا وان ذكراه تظل مغمورة في تيارات التصورات المختلفة إلا إذا كنا لا نكترث للأمور الإلهية. 

ما لم نكن خالين من محبة الله فلابد أن يكون لنا شيء من شعور المرنم وإحساسه حين قال "إذا ذكرتك على فراشي في السند ألهج بك" "ما أكرم أفكارك عندي يا الله. ما اكثر جملتها". وإذ نظر إلى السماء المرصعة بالنجوم لم يؤخذ فكره بروعتها المادية فقط بل كان اشد اندهاشا من رحمة العناية البادية للإنسان الترابي الخاطئ الذي يذكره الله في وسط هذه الأعمال العظيمة. 

هكذا يكون فكر الرجل التقى أما إذا كان اليوم يتلو اليوم، والليل يعقب الليل، ولا يجوز في عقلك فكر عميق عن الله فمن الواضح أن الله ليس هو نصيبك، وليس هو مستقر آمالك، ومستودع عواطفك. 

وإذا كان هذا شأنك فمن الواضح أيضا أنك لست في حالة القبول أمامه. لأنه من المسلم به انه كما تكون أفكارنا هكذا تكون أخلاقنا. 

وفى ذلك لست أسألك عما تكون عليه أفكارك في أوقات معينة، أو تحت تأثير حادثة خاصة لازمه في هذه الظروف قد لا يكون خلاف كبير بين من يذكرون الله ومن ينسونه. 

ولكن الطابع الذي يتميز به الخطاة هو أن "الله ليس في كل أفكارهم". وإن كان بين منا يشعرون بان هذا الكلام يصدق عليهم فليتخذوا لأنفسهم عبرة من تحذير الله الوارد في نهاية المزمور الخمسين "افهموا هذا أيها الناسون الله لئلا أفترسكم ولا منقذ"

اختبر محبتك لله

حب الله من كل قلبك 

ثم دعوني أسئلكم عن أميالكم تجاه وسائط النعمة. إذا كان الله غرض محبتكم فإنكم لا بد تمسكون بأول فرصة مناسبة لتنمية علاقتكم، وتعميق شركتكم مع أب الأرواح. وعلى عكس ذلك من لا يعبأ بأمثال هذه الفرص يبرهن على انه مجرد من محبة الله، ولن يستطيع أن يقنع نفسه أن الله صديقه. لأنه حيث توجد الصداقة المخلصة فجميع الفرص التي تساعد على تنميتها يرحب بها، والأمور التي تحرم من التمتع بها يؤسف لها. 

وحيث يوجد إهمال مستمر للرياضات التقوية فان ذلك يمكن أن يترجم إلى لغة أولئك الذين كما وصفهم أيوب "يقولون لله أبعد عنا وبمعرفة طرقك لا نسر"

فاذا كانت مخادعكم لا تشهد من عبادتكم الانفرادية إلا قليلا، وإذا كانت ساعات خلوتكم مملوله باردة، فهذا دليل على أن ديانتكم ليس لها تأثير على قلوبكم. واذا كانت ديانتكم ليس لها تأثير على قلوبكم، فذلك دليل على أن قلوبكم خالية من محبة الله. 

ليست هناك ديانة حقة، وليس هناك اتصال حقيقي للقلب مع الله ما لم يدعنا لان نجعل منه مصدرا لأفراحنا. هكذا يعبر المرنم عن أعمق عواطفه من نحو الله، ومن نحو ضياء وجهه، من نحو ضياؤه. 

ولكن هل تخالون أن هذه العواطف قاصرة على حالة المؤمنين في العهد لقديم؟ كلا. يا أختوى. أن لنا من البواعث لذلك أكثر مما كان لهم، إذ لنا قد أعلن إنجيل المسيح بملء بركاته المجيدة، التي تذكى في قلوبنا شعورا أشبه بشعور داود حين صرخ "كما تشتاق الأيل إلى جداول المياه هكذا عطشت نفسي إليك يا الله"

ثم إن أردتم أن تتحققوا من محبتكم لله فلتفحصوا عن مبلغ تأثركم من كلمة الله. أننا لا نستطيع أن نكون فكرا صادقا عن الله إلا عن طريق كلمته. ولا نستطيع أن ننشئ في نفوسنا أية عاطفة سامية عنه إلا ما يصدر عن وحيه المقدس. وأذن فجميع الذين يحبون الله بإخلاص يدرسون كلمته. 


محبة الكتاب المقدس دليل على محبة كاتبه 

وفى ذلك أيضا يتفقون مع داود حين قال "كم أحببت شريعتك. اليوم كله هي لهجى". هم يقتاتون بها كطعام لنفوسهم فيجدونها أحلى من العسل. يردون إليها كما إلى نبع لا ينضب ليغترفوا من مجاري أفراحها. 

أما إهمال قراءة الكتاب المقدس فهو علامة أكيدة على عدم تقدس القلب، إذ أن ذلك الكتاب المبارك لا بد جاذب إليه كل محب لمؤلفه الإلهي. كيف يتأتى للإنسان أن يتلذذ بالله بينما هو يهمل تلك الكلمة التي وحدها تعلن عن أخلاقه الحقه المجيدة، والتي وحدها تكشف عن طريق الاتحاد به، وعن محبته، وغفرانه، وصلاحه؟ 

إن السبب الوحيد الذي لأجله يهمل المسيحيون كتابهم هو عمق روحانيته، وانه يوقف الأنسان وحيدا أمام الله، وينتزعه من الأشياء الوقتية المنظورة ليريه الأمور الأبدية الغير المنظورة، وانه يطلعه على الشرور الكامنة في قلبه وعلى الطهارة المطلقة لذلك الكائن الذي معه أمره. ولا عجب إذن أن يكره الأشرار النور، ولا يريدون أن يدنوا إليه، بل يبتعدون عنه منغمسين في خفايا الجهل لشقائهم وتعاستهم. 


محبتك لشعب الله دليل على محبة الله 

ثم لتقيسوا محبتكم لله بالنظر إلى شعوركم من نحو شعب الله. إن لله شعبا خاصا عزيزا عليه. ليسوا من العالم الذي ينتسبون إليه حسب الظاهر ولا يشاكلونه في الأميال والأفكار ولكنهم في عزلة عنه، يتشبهون إلى درجة ما بالرب يسوع ويتوقعون استعلان المجد الذي وعدهم به. 

ما هو إذن موقفكم إزاء هؤلاء التابعين للمسيح؟ أتنفرون من عشيرتهم، وتحتقرون محضرهم، أم تسرون بالشركة معهم كما إلى أعظم الامتيازات؟ هل ترضون بأن تكونوا رفقاء لأولئك الذين لهم اسم انهم أحياء وهم أموات، أم تقولون مع المرنم "القديسين والأفاضل الذين في الأرض كل مسرتي بهم"؟ ومع الرسول يوحنا "نحن نعلم إننا انتقلنا من الموت إلى الحياة لأننا نحب الأخوة"؟ ومعه أيضا إذ يقول "من يحب الوالد يحب المولود منه أيضا"؟ 

إن كنا لا نحب صورة الله البادية على وجوه أخوتنا، فكيف نحب الأصل الذي لا نراه؟ 

وان كانت مظاهر القداسة التي نطالعها في المخلوق ليست جذابة لأنظارنا؟ فكيف تستطيع عواطفنا أن تسمو إلى الجوهر الكامل في الخالق؟ كيف نصعد للشمس نفسها، ونحن لا نستطيع أن نحتمل شعاع مجدها الباهت؟ ذاك الذي وحده يعرف القلب الإنساني استطاع أن ينظر للذين حوله ويقول "لقد عرفتكم أن ليست لكم محبة الله في أنفسكم". وان كان لا يوجد في هذه الأيام من يستطيع أن يخاطبكم بهذه اللهجة وهذا السلطان بيد إنكم تستطيعون أن تسمعوه عن طريق ضمائركم كما هو كان صوتا حقيقيا من السماء قائلا لكم "إذا كانت هذه حالكم فليست لكم محبة الله في أنفسكم"

ثم ادرسوا جيدا أميالكم من نحو ابن الله – من نحو شخصه وعمله. "لو كنتم تحبون الآب لكنتم تحبونني أيضا". هذه كانت حجة المسيح المتكررة للفريسيين اللذين خاطبهم بهذه الآية. إن يسوع المسيح هو رسم جوهر الله، وبهاء مجد أخلاقه ظاهرا في صورة مخففة كي يوافق أنظار البشرية الضعيفة. 

وفى حياة يسوع المسيح نرى كيف يسلك الكائن الإلهي في شبه البشر، وفى ظروف البشر. ونرى كيف يتحمل أحزان الناس وتجاربهم. وقد كان الأنسان يسوع المسيح في وحدة واتفاق مع الكائن الإلهي إلى درجة استطاع معها أن يقول "من رآني فقد رءا الآب. أنا والآب واحد". والسبب الذي لأجله ظهر الله في الجسد لم يكن إعلان أسرار الطبيعة الإلهية، بل أن يحمل أحزاننا ويموت عن خطايانا. وهل تستطيع أن تتأمله وهو متنازل إلى حالتنا ومشترك معنا في شؤوننا ولا تتأثر بمثل هذا المنظر؟ ألا يسبي لبك، ويأخذ بمجامع قلبك؟ ألا يدعوك ذلك لان تصلب على صليبه الجسد والعالم؟ أن لم يكن هذا شأنك فأي دليل اقوى على خلو قلبك من محبة المسيح الذي لم تستطع أن تصل إليه أمجاد كمالاته الإلهية، ولم يلينه تواضعه الفائق العجيب؟! 


اختبر محبتك لله 

وإذا أردتم أن تختبروا محبتكم لله فلتمتحنوا نفوسكم من حيث تأثركم بخيراته إلى يغدقها عليكم. إنها من الكثرة والعظمة بحيث يجب أن تستثير أعماق مشاعر الشكر في نفوسنا. فنحن نشعر بانسكابها علينا في الليل وفى النهار. لقد نعلم أن الهبات التي تأتينا من يد عدو تتلوث قبل لأن تصل إلينا ولا تزيد نفوسنا إلا جفاء منه وتباعدا عنه. أما هبات الأصدقاء فإنها تذكرنا بهم وتزيدهم في نظرنا إعزازا، ولقلوبنا قربا وودا. وعلى هذا القياس من خلا قلبه من محبة الله يقبل عطاياه بدون أقل ميل إلى مقدم هذه العطايا، ناظرا إليه كعدو أكثر منه كصديق. أما المسيحي فانه يحس بمحبة الله عند نوال كل بركة من يده الصالحة. 

إن بركات الله تلازمنا في كل خطوة من سبيلنا. وكلمة الله تعلن لنا أن هذه البركات تسير معنا إلى الأبد البعيد. وان كنا ندع هذه النعم تمر أمامنا من دون أن نأبه لها، فكيف إذن يمكن أن يكون لله محبة في قلوبنا؟ 

ثم افحصوا عن الطريقة التي بها تتأثرون من الشعور بخطاياكم. ليست المسألة هل لكم خطايا أم لا – فليس من شك في هذا الأمر. ولكن موضوع الفحص مقصور على موقفكم إزاء خطاياكم. هل تذكرونها بحزن وتذلل وانسحاق وعدم استحقاق لبركات الله؟ وهل هذه العواطف مقرونة بعزم وطيد على تنكب سبيل الشر، وتسليم النفس لخدمة المحسن الأعظم لنفوسنا؟ إن كنتم تستطيعون إن تحيوا من دون شعور بالألم على الخطية مع الشعور بمهابة الله، فلتتأكدوا إنكم بعيدون عن محبته. 

ليست لكم أمثال هذه الاختبارات التي تصفها كلمة الله إذ يقول "الرب إلهك تتقى وإياه تعبد""لان عندك المغفرة لكي يخاف منك". ولا تعرفون شيئا عن ذلك "اللطف الذي يقتادنا إلى التوبة". أن العقل حين تكون محبة الله قد عملت فيه يتأثر كثيرا بألطاف الله وبحساناته. 

ولكن حين يخلو من هذه المحبة لا يفكر في شيء إلا كيف يهرب من يد الله متناولا كل خيراته من دون أقل عاطفة من الشكر أو عرفان الجميل. 


لا تحبوا العالم 

وأخيرا لأذكركم أن تعتبروا كيف تتأثرون بالعالم الحاضر. لو أتيح لكم أن تعفوا من آلامه فهل كنتم تودون أن يكون هو مقركم الأبدي؟ ولو استطعتم أن تحيطوا أنفسكم بكل مزاياه ولذاته فهل كنتم ترضون بالاستقرار فيه مخلدين؟ 

إنكم بلا شك تعلمون انه مكان الابتعاد والنفي عن الحضرة الإلهية وانه مشهد ظلام بالمقابلة مع السماء لا تخترقه إلا أشعة ضعيفة تأتى إليه من المجد البعيد وسكانه لا يستطيعون أن يقولوا عن المجد إلا هذا القول "بسمع الأذن قد سمعت عنك. وما رأتك عيني"

أما السماء فإنها المسكن اللائق لله ولشعبه. فهل بعد ذلك ترضون أن تظلوا هنا لا ترون النور في نور وجه الله ولا تتمتعون بحضوره البهيج؟ ألا ترغبون في أن تردوا ينبوع محبته وتنعموا بشمس أفراح ذلك الذي أمامه شبع سرور إلى الأبد؟ وهل رغبتكم أن تبقوا هنا مغمورين في ظلال الزمن مدفونين في الأشياء الفانية، وأنتم لا ترتفعون قط إلى الأعلى حيث الله والمسيح وأمجاد العالم الأبدي؟ إن كانت هذه حالة أرواحكم فأنتم ينقصكم أول عامل من العوامل المسيحية – تنقصكم محبة الله. إن المسيحي الحقيقي – محب الله – لابد يشعر في نفسه بانه "غريب في الأرض" يمكن الروجوع لهذا الموضوع من هنا (غريب في الأرض)
ولا يستطيع مجد العالم ولألاؤه وتملقه أن تحبس قلبه في الأمور المنظورة وتمنعه عن التصريح بما صرح به المرنم إذ قال "أما أنا فبالبر انظر وجهك. اشبع اذا استيقظت بشبهك"

ربما لا يكون استعداد نفسك قد وصل بك إلى هذه المرتبة من الروحانية. ولكن إذا كنت قد نال قلبا جديدا فإنك ابعد ما يكون عن التشبث بهذا العالم كموطن ابدى لك واتخاذ هذه الحياة نصيبا لنفسك. 

إن من خلق الأيمان أن يتمسك بالأبدية. ويقول الرسول بلسان جميع المؤمنين "ونحن غير ناظرين إلى الأشياء التي ترى بل إلى التي لا ترى. لان التي ترى وقتية وأما التي لا ترى فأبدية"

كيف اجعل حب الله يملأ قلبي

كيف اجعل حب الله يملأ قلبي 

والآن يا إخوتي إذا افترضنا أن هذه الملاحظات أوجدت في قلوبكم الاقتناع بأنكم ليست لكم محبة الله فلتسمحوا لي بأن ابدى لكم طريقة استطلاع هذا الخطأ والتزود من محبة الله بما أنتم إليه تفتقرون. 

أولا يجب أن يقرن هذا الشعور بالتواضع والتذلل العظيمين. الواحد منكم إذا أحس نقصا في قواه الجسمية أو في تعطيل عضو من أعضائه الخارجية فكم يشعر بالألم يحز في نفسه. والعار يكسوه من اخمس قدمه إلى اعلى رأسه. ولكن ما قيمة نقص كهذا بالنسبة إلى نقص في التقوى؟!.. 

وما قيمة حرمان كهذا اذا قيس إلى الحرمان من محبة الله؟!.. 

وما قيمة عار كهذا إلى العار الذى يلبسه من كان عاطلا من التدين الحقيقي أو بالحرى من كان ساقطا تحت ثقل الخطية ومائتا في حياته الروحية؟!.. 

من كان مثل هذا شأنه فانه حتما سائر إلى الموت الثاني – إلى الخراب الأبدي! حقا "أن هذا رثاء ويكون لمرثاة"

تصوروا أبناء احدى العائلات تربوا في أحضان الرفاهية وقد كفلت لهم حاجاتهم عن كرم وسخاء من آباء محبين غاية الحب. 

تصورا مثل هؤلاء الأبناء وقد رفعوا علم التمرد والعصيان ضد آبائهم طارحين عن نفوسهم كل عاطفة أو احترام. هل تستطيع أية صفات لهؤلاء الأبناء مهما يكن من جمال مظهرها وسمو مخبرها أن تغطى على فظاعة عملهم وتعوض عما فقدوه من الأخلاق؟ 

طبق هذا المثل على علاقتك بالله. انه يقول "إن كنت أبا فاين كرامتي؟ وان كنت سيدا فاين هيبتي؟". "اسمعى أيتها السماوات واصغى أيتها الأرض. ربيت بنين ونشأتهم. أما هم فعصوا على. الثور يعرف قانيه. والحمار معلف صاحبه. أما إسرائيل فلا يعرف. شعبي لا يفهم"

ثم لتصحب تواضعك بالاهتمام والخوف. كونك بعيدا عن بارئ نسماتك ومنفصل عن أصل كل خير ومصدر كل سعادة – هذه مصيبة لا يستطيع أحد أن يعرف قدرها. اذا قطع النهر عن النبع الذى يصدر منه فسرعان ما تذهب مياهه بددا. وإذا قطعت النفس عن الله فمآلها للذبول والموت – فاتصالها مع الله واتحادها مع أب الأرواح بواسطة الشفيع المبارك هو وحده سر جمال النفس الخالدة وسبب روائها. 

وبغير ذلك تكون النفس ميته "في الذنوب والخطايا"! ذلك موت ولكنه موت حي – حالة من عدم الاستقرار وعدم الاكتفاء! وأية حالة؟!.. أي أمل لمثل هذه النفس حينما تمد بصرها إلى ما بعد العالم الحاضر؟ 

من يرحب بها حين تذهب إلى الأبدية؟ أية مقابلة سوف تقابل بها هناك؟ أين مصيرها؟ أية تعزية لها في وسط آلامها؟ وأي عشراء سوف تلقاهم في وسط هذه الآلام؟ إن الخطاة غير التائبين مصيرهم كمصير الأرواح الشريرة. وحين يموتون فمقرهم هو مقرها ويذهبون إلى مكانها... 

تلك حالة مرعبة لأي شخص يكون فيها الآن. ولكنا نشكر الله لأنها ليست حالة عديمة الرجاء. لا يقل أحد في قلبه "انى قد وجدت مما سمعت انى لا أحب الله. ولذا قد انقطع عنى الرجاء"

هناك طريق للرجوع مفتوح للجميع. يسوع المسيح يا إخوتي يعلن للكل قائلا "أنا هو الطريق والحق والحياة"

كل من يرد يستطيع أن يأتي بهذا الطريق الحى الجديد.. 

إن فقدت حياتك الأبدية فإنك تفقدها فذلك كما قال المسيح نفسه "إنكم لا تريدون أن تأتوا إلى لتكون لكم حياة" فان كنت تشعر بالشقاء وبالنقص في نفسك وبالخطر يهدد حالتك فلتصغى إلى دعوته ولتقبل وعده. 

لتنظر إلى حمل خطاياك موضوعا على صليبه! ولتتأمل كيف إن الله بار ويستطيع أن يبرر! خذ من دم الرش وكن في سلام معه! دمه يطهر من كل خطية. 

وانه مستعد أن يرسل روحه إلى داخل قلبك ليعلن لك شخصه الكريم. وحيث روحه فهناك الحرية والمحبة المقدسة. انه السلم السري المنصوب بين السماء والأرض تصعد عليه الملائكة وتنزل علامة اتحاد الأنسان بالله. 

وإذا اتحدت بيسوع المسيح تصبح مسكنا لله بالروح. والآب يجعلك شريكا في محبته والابن في نعمته والملائكة في صداقتهم. 

إنك عند ذاك تحفظ وتنمو في القداسة إلى أن يأتي الوقت الذي فيه تتغير إلى صورته. في ذلك الوقت تزول عنك كل آثار الشر وتصبح محبة الله سعادتك الأبدية.

0/Post a Comment/Comments