ملكوت السموات وقوانينه

ملكوت السموات وقوانينه

ملكوت السموات وقوانينه


فى العالم الروحي ملكوتان هما ملكوت الظلمة وملكوت السموات، أى ملكوت الله. ونحن بالطبيعة عائشون في ملكوت الظلمة، فإذا ما عشنا فيه ومتنا فيه فنحن لا محاله هالكون.

أما اذا أردنا أن نخلص منه فلا بد لنا من ان ننتقل الى ملكوت الله. والطريقة الوحيدة لذلك هى الولادة الجديدة، لان ربنا يسوع المسيح قال "إن كان أحد لا يولد من فوق لا يقدر أن يرى ملكوت الله" (يو3:3). وقال أيضاً "إن كان أحد لا يولد من الماء والروح لا يقدر أن يدخل ملكوت الله" (يو5:3). ويحسن بنا أن نقف هنا قليلا لنسألك أيها القارئ الكريم في أي ملكوت أنت؟ أأنت فى ملكوت الله؟ فإن لم تكن فى ملكوت الله فأنت لا شك فى ملكوت الظلمة إذ ليست هناك حال وسطى.

كان هناك فى جبل طارق قطعة أرض تدعى "الأرض المحايدة" وهى تفصل اسبانيا عن جبل طارق، فلا هي ملك لبريطانيا العظمى، ولا هى ملك لاسبانيا. ويبدو لى أن كثيرين من الناس يعتقدون أن هناك "أرض محايدة" بين ملكوت الله وملكوت الظلمة، فإذا سألت واحدا منهم "هل أنت مخلص؟" يجيبك "لست أستطيع الحكم بذلك". "أنت إذن هالك؟". "لا أرجو ذلك". ولعلهم يظنون أن هناك مكانا وسطا بين الحالتين فيه يستطيعون أن يكون نصفهم داخل ملكوت الله والنصف الآخر خارجه.

وأسمح لي أن أقرر بكل تأكيد أن مثل ذلك المكان المتوسط خيال لا حقيقة له، فإن لم تكن فى ملكوت الله فلا شك أنك لا تزال فى ملكوت الظلمة.

ولرب سائل يقول: "كيف يمكننى أن أولد ثانية؟" فلمثل ذلك أورد فقرة من الكتاب المقدس ساعدت المئات بل الألوف من الناس على دخول ملكوت الله، ولي ثقة انها تساعد البعض الآن، فنقرأ فى (يو12,11:1) "الى خاصته جاء وخاصته لم تقبله وأما كل الذين قبلوه فأعطاهم سلطاناً أن يصيروا أولاد الله أى المؤمنون باسمه". ففى اللحظة التى فيها نتوب عن خطايانا ونقبل الرب يسوع المسيح مخلصا شخصيا لنا، فى تلك اللحظة عينها "نولد ثانية" نولد من فوق، وفى اللحظة نفسها ننتقل من ملكوت الظلمة الى ملكوت الله. ألا ليت الروح القدس يُرى كل كل واحد منا فى أى مكان هو واقف، فإذا ما عرفنا أننا لا نزال فى ملكوت الظلمة فلنقبل علاج الله الذى أعده للخطاة، وبذلك ننتقل من الموت إلى الحياة.

وان رسالتى الآن هى قبل كل شئ لأولئك الذين "ولدوا من فوق" ودخلوا فى نطاق ملكوت الله، فإذا كنا فى ملكوت الله فمن المعقول والصواب أن نرعى قوانين ذلك الملكوت ومبادئه. هب اننا عائشون فى مملكة بريطانيا العظمى، أفلا يجب علينا أن نسلك بحسب قوانينها؟، فإذا سافرنا إلى بلاد أجنبية فعلينا أن نرعى قوانين تلك البلاد التي نجتاز فيها، فإن تعديناها تحملنا العقاب، فإن مخالفة أى قانون تعرضنا بلا شك لطائلة العقاب.

وكذلك هى الحال فى العالم الروحي، فإذا كنا فى ملكوت الله ولم نطع قوانين ذلك الملكوت تألمنا روحياً. والسبب فى أن كثيرين من أبناء الله لم يحصلوا من ديانتهم إلا على فرح قليل، وبركة يسيرة، وقوة ضئيلة، يرجع الى انهم ابناء غير طائعين، فبعض منهم يتعمدون عدم الطاعة، على حين أن كثيرين لا يتعمدونه. ومن المهم أن ندرس تلك القوانين حتى ندرك ماهيتها، وموقفنا بإزائها، لنتمتع بملء البركة التي ادخرها لنا الله.

والعيب كل العيب فى بعض المسيحيين هو أنهم يحصلون على الخلاص ويدخلون ملكوت السموات ثم يقفون عند ذلك الحد، فلا يسيرون إلى الأمام مع الله، ولا يجتهدون أن يعرفوا إرادة الله ليعملوها، ولذلك يخسرون كثيرا من الفرح والبركة اللذين هما ملك لهم، من غير أن يعرفوا لذلك سببا.

ملكوت الظلمة وملكوت السموات

ملكوت الظلمة وملكوت السموات


ليت الرب يحمس كل واحد من هذا النوع حتى يرى خسارته، والسبب الذى من أجله لا يتمتع بكل ما قصده الله له، وما وعده الكتاب المقدس أن يكون له فى حياته المسيحية. وليت الرب يفتح عينيك لترى الامتيازات المباركة والبركات الجليلة، يريد الرب أن يمنحنا اياها الآن في هذه الحياة، إذا كنا نحفظ وصاياه: نقرأ فى (مت19:5) "فمن نقض احدى هذه الوصايا الصغرى (أى هذه الوصايا المعطاة لنا فى الموعظة على الجبل) وعلم الناس هكذا يدعى أصغر فى ملكوت السموات وأما من عمل وعلم فهذا يدعى عظيما فى ملكوت السموات". نعم يكون عظيما فى هذه الحياة وفى الحياة الأخرى أيضا.

وكثيرا ما يخالجني الفكر أني ربما أكون أنانيا إذ أميل الى الوعظ عن قوانين الملكوت لأن لها بركات خاصة بها وبمن "يعمل ويعلم" ولكن لا يجب ان يغرب عن البال أنه على قدر طاعتنا لها تكون بركتنا منها، فإن طريق الطاعة هى دائما طريق البركة، وكذلك كانت الحال فى العهد القديم: "إن شئتم وسمعتم تأكلون خير الأرض" (اش19:1). وكذلك هى ايضا فى العهد الجديد و لنتأمل الآن في بعض البركات التي هي نتائج حتمية للطاعة كما هو واضح فى كلمة الله:

1- "الذى عنده وصاياى ويحفظها فهو الذي يحبني. والذي يحبني يحبه أبي وأنا أحبه وأظهر له ذاتي" (يو21:14).

2- "إن حفظتم وصاياي تثبتون في محبتي" (يو10:15).

3- "أنتم أحبائي إن فعلتم ما أوصيكم به" (يو14:15).

4- "ومهما سألنا ننال منه لاننا نحفظ وصاياه ونعمل الأعمال المرضية أمامه" (1يو22:3).

5- لنا أن نقبل عطية "الروح القدس ... الذي أعطاه الله للذين يطيعونه" (اع32:5).

فإذ لنا هذه المواعيد المذخرة لننس كل ما هو وراء كما قال الرسول: "امتد الى ما هو قدام أسعى نحو الغرض لأجل جعالة دعوة الله العليا فى المسيح يسوع" (فى14,13:3).

واسمح لى ان اصرح لك اننا اذا كنا نريد ان نحصل على قوة الملكوت (التي هي قوة الروح القدس الذي يحل علينا كما حل على الكنيسة يوم الخمسين) فعلينا أن نطيع قوانين هذه الملكوت. ان صرخة الكنيسة المسيحية فى عصرنا هذه هى صرخة الحاجة الى القوة. وإني أعتقد أن السبب فى ذلك راجع إلى العصيان، فعلى قدر ما نطيع قوانين الملكوت نحصل على قوة الملكوت، ولنا فى الكبرياء مثل يشرح هذه الحقيقة، فهل تعلم كيف استطعنا أن نضئ بها الشوارع وندير الآلات؟ ذلك لأن علماءنا قد اهتدوا الى بعض نواميس الكهرباء، فاذا أطعنا هذه النواميس حصلنا على الضوء والقوة.

كلما عرفنا قوانين الملكوت وأطعناها، كلما ازدادت لنا البركة والقوة.

وأنى أعتقد أن الطريقة المثلى لانتشار ملكوت الله على الأرض فى يومنا هذا هى أن نطيع نحن أنفسنا قوانين هذا الملكوت. على ان كثيرين يقولون ان مثل هذه الطاعة أمر مستحيل، فقد كنت أحادث أحد أصدقائي عن قوانين ملكوت الله ومبادئه، فأجابني على الفور "نعم لا شك أن هذه القوانين نموذج كمال لا ينتظر منا أن نطيعها".

وأخشى أن يكون ذلك الصديق قد عبر عما يخالج الكثيرين من الشعور نحو قوانين الملكوت بأنها نموذج كمال، فكأنهم بذلك يقولون ان الله لا ينتظر منا أن نحفظها. ولكن يجب علينا أن نعلم أن الله لا يعطي أمرا من غير أن يمنح القوة لطاعته، فإذا قلنا أنه من المستحيل ان نمارس الموعظة على الجبل ممارسة عملية شوهنا صفات الله، ان بقصد أو بغير قصد، فماذا تظن فى لو سمعتني آمر أولادى ان يفعلوا أمرا أعرف انا شخصيا ان من المستحيل تنفيذه؟ فهل الله كأب أقل منى محبة وعدلا؟ كلا، فما كان الله ليعطى أولاده أمرا مستحيلا يعرف أن فشلهم في إطاعته يجلب عليهم خسارة لا مفر منها. والسر كل السر في ذلك هو أن المسيح يملك هذه الصفات التي يطلبها منا، وإذ يسكن فينا ويعمل فينا للمسرة والإرادة تصبح الطاعة أمرا سهلا علينا وإذ ذاك نعرف أن أوامره هى نفسها تحمل لنا القوة لتنفيذها.

على أن هناك كثيرين ممن يدعون أن الموعظة على الجبل ليست لهذا الجيل الذي نعيش فيه، واننا غير ملزمين بقوانينها اليوم بل هى معطاة لحكم الألف السنة، وخاصة به، عندما يقيم المسيح مملكته على الأرض. وانى مع موافقتى لهم في أن جميع الأمم سوف لا تخضع لحكم هذه القوانين إلا فى حكم الألف السنة، إلا أن مملكة المسيح الآن لا تتكون من امم بل من أفراد "ولدوا من فوق" فى ملكوت الله، ولهم قد أعطيت هذه القوانين.

وهناك أمران عظيمان يعترضان القول بأن الموعظة على الجبل ليست لهذا الجيل، أولهما أن هذه القوانين تثبتت في الرسائل إذ ورد ذكرها فيها كما سترى من درسنا، فإذا ما كانت الأوامر الواردة فى الموعظة على الجبل خاصة بالألف السنة وليست لهذا العصر فكذلك تكون الأوامر الواردة في الرسائل أيضا لغير هذا العصر، وذلك مالا يقره بولس الرسول. وثانيهما أن هذه القوانين العشرة الخاصة بالملكوت ما هي إلا عشرة مظاهر للوصية الجديدة التي أعطاها الرب اياها: "ان تحبوا بعضكم بعضا. كما أحببتكم أن تحبون انتم ايضا بعضكم بعضا" (يو24:13).

ومن الغريب ايضا ان اولئك الذين يحاولون أن ينسبوا أوامر الموعظة على الجبل الى حكم الألف السنة لا يترددون أن ينسبوا المواعيد المذكورة فى هذه الموعظة الى نفوسهم.

كلا يا عزيزي فان الاوامر والمواعيد سواء بسواء هى ليومنا هذا، ويمكن تنفيذها، وهى تذهب الى أبعد من قانون موسى القديم الذي حرم بعض الأعمال الخاطئة، إذ هى تعالج منبع الخطية نفسه، ألا وهو الشر الدفين فى قلب الانسان.

فإذا درسناها وطلبنا من روح الرب ان يعلمنا اياها عرفنا كيف انها عملية بكل معنى الكلمة وانها تمس كل نواحى الحياة.

ولا يغرب عن البال أن مجرد حفظ هذه القوانين ليس هو الأساس الذى نصير به مقبولين عند الله، فإن أساس قبولنا عند الله هو الدم الكريم وحده، وأما حفظنا هذه القوانين فهو الشرط الذي به يباركنا الله، ويجعلنا بركة للآخرين 

الموعظة على الجبل














سوف نتناول مجموعة مواضيع تشرح لنا ان هذه المبادئ "عملية". وأنها هى ذاتها الدستور المنشود الذي طالما بحثتم عنه، ألا وهو قوانين مملكة السموات. مبنية على اساس "موعظة المسيح على الجبل.

2/Post a Comment/Comments

إرسال تعليق